فصل: فصل في عدم جواز الصلاة بالوجوه الشاذة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: (وقت الاستعاذة في الصلاة):

اتفق الأكثرون على أن وقت الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة. وعن النخعي: أنه بعدها، وهو قول داود الأصفهاني، وإحدى الروايتين عن ابن سيرين. وقالوا: إذا قرأ الفاتحة وأمّن، يستعيذ بالله.
دليل الجمهور: ما روى جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرف وكرم وبجل وعظم وفخم- حين افتتح الصلاة قال: «الله أكبر كبيرا، ثلاث مرات، والحمد لله كثيرا، ثلاث مرات، وسبحان الله بكرة وأصيلا، ثلاث مرات، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه».
واحتج المخالف بقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، [النحل: 98] دلت هذه الآية على أن قراءة القرآن شرط، وذكر الاستعاذة جزاء، والجزاء متأخر عن الشرط؛ فوجب أن تكون الاستعاذة متأخرة عن القراءة.
ثم قالوا: وهذا موافق لما في العقل؛ لأن من قرأ القرآن، فقد استوجب الثواب العظيم، فربما يداخله العجب؛ فيسقط ذلك الثواب، لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «ثلاث مهلكات» وذكر منها إعجاب المرء بنفسه؛ فلهذا السبب أمره الله تعالى بأن يستعيذ من الشيطان؛ لئلا يحمله الشيطان بعد القراءة على عمل محبط ثواب تلك الطاعة. قالوا: ولا يجوز أن يكون المراد من قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} أي: إذا أردت قراءة القرآن؛ كما في قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} [المائدة: 6].
والمعنى: إذا أردتم القيام فتوضئوا؛ لأنه لم يقل: فإذا صليتم فاغسلوا؛ فيكون نظير قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} وإن سلمان كون هذه الآية نظير تلك، فنقول: نعم، إذا قام يغسل عقيب قيامه إلى الصلاة؛ لأن الأمر إنما ورد بالغسل عقيب قيامه، وأيضا:
فالإجماع دل على ترك هذا الظاهر، وإذا ترك الظاهر في موضع لدليل، لا يوجب تركه في سائر المواضع لغير دليل.
أما جمهور الفقهاء- رحمهم الله تعالى- فقالوا: إن قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} يحتمل أن يكون المراد منه: إذا أردت، وإذا ثبت الاحتمال، وجب حمل اللفظ عليه توفيقا بين الآية وبين الخبر الذي رويناه، ومما يقوي ذلك من المناسبات العقلية، أن المقصود من الاستعاذة نفي وساوس الشيطان عند القراءة؛ قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج: 52] فأمره الله تعالى بتقديم الاستعاذة قبل القراءة؛ لهذا السبب.
قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: وأقول: هاهنا قول ثالث: وهو أن يقرأ الاستعاذة قبل القراءة؛ بمقتضى الخبر، وبعدها؛ بمقتضى القرآن؛ جمعا بين الدلائل بقدر الإمكان. قال عطاء- رحمه الله تعالى-: الاستعاذة واجبة لكل قراءة، سواء كانت في الصلاة. أو غيرها.
وقال ابن سيرين- رحمه الله تعالى-: إذا تعوذ الرجل مرة واحدة في عمره، فقد كفى في إسقاط الوجوب، وقال الباقون: إنها غير واجبة.
حجة الجمهور: أن النبي- صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم- لم يعلم الأعرابي الاستعاذة في جملة أعمال الصلاة.
ولقائل أن يقول: إن ذلك الخبر غير مشتمل على بيان جملة واجبات الصلاة، فلم يلزم من عدم الاستعاذة فيه، عدم وجوبها.
واحتج عطاء على وجوب الاستعاذة بوجوه:
الأول: أنه- عليه الصلاة والسلام- واظب عليه؛ فيكون واجبا- لقوله تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: 158].
الثاني: أن قوله تعالى: {فاستعذ} أمر؛ وهو للوجوب، ثم إنه يجب القول بوجوبه عند كل قراءة، لأنه تعالى قال: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، [النحل: 98] وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على التعليل، والحكم يتكرر بتكرر العلة.
الثالث: أنه تعالى أمر بالاستعاذة؛ لدفع شر الشيطان؛ وهو اجب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.

.فصل في حكم التعوذ قبل القراءة:

التعوذ في الصلاة مستحب قبل القراءة عند الأكثرين.
وقال مالك- رضي الله تعالى عنه- لا يتعوذ في المكتوبة، ويتعوذ في قيام شهر رمضان للآية والخبر، وكلاهما يفيد الوجوب، فإن لم يثبت الوجوب، فلا أقل من الندب.

.فصل في الجهر والإسرار بالتعوذ:

روي أن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- لما قرأ أسر بالتعويذ.
وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: أنه جهر به؛ ذكره الشافعي- رحمه الله تعالى- في (الأم) ثم قال: فإن جهر به جاز، وإن أسر به جاز.

.فصل في موضع الاستعاذة من الصلاة:

قال ابن الخطيب: أقول: إن الاستعاذة إنما تقرأ بعد الاستفتاح، وقبل الفاتحة، فإن ألحقناها بما قبلها، لزم الإسرار، وإن ألحقناها بالفاتحة، لزم الجهر، إلا أن المشابهة بينها، وبين الاستفتاح أتم؛ لكون كل منهما نافلة.

.فصل في بيان هل التعوذ في كل ركعة؟

قال بعض العلماء- رحمهم الله-: إنه يتعوذ في كل ركعة.
وقال بعضهم: لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى.
حجته: أن الأصل هو العدم، وما لأجله أمرنا بالاستعاذة؛ هو قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} [النحل: 98] وكلمة (إذا) لا تفيد العموم.
ولقائل أن يقول: إن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على العلة؛ فيتكرر الحكم بتكرر العلة.

.فصل في بيان سبب الاستعاذة:

التعوذ في الصلاة، لأجل القراءة، أم لأجل الصلاة؟
عند أبي حنيفة ومحمد- رضي الله تعالى عنهما- أنه للقراءة وعند أبي يوسف: أنه للصلاة. ويتفرع على هذا الأصل فرعان:
الأول: أن المؤتم هل يتعوذ خلف الإمام؟
عندهما: لا يتعوذ؛ لأنه لا يقرأ وعنده يتعوذ؛ وجه قولهما قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} [النحل: 98] علق الاستعاذة على القراءة، ولا قراءة على المقتدي.
وجه قول أبي يوسف رحمه الله التعوذ لو كان للقراءة؛ لكان يتكرر بتكرر القراءة، ولما لم لكن كذلك، بل يتكرر بتكرر الصلاة؛ دل على أنها للصلاة.
الفرع الثاني: إذا افتتح صلاة العيد فقال: سبحانك اللهم، هل يقول: أعوذ بالله، ثم يكبر، أم لا؟
عندهما أنه يكبر التكبيرات، ثم يتعوذ عند القراءة. وعند أبي يوسف رحمه الله يقدم التعوذ على التكبيرات.

.فصل (السنة في قراءة القرآن):

السنة أن يقرأ القرآن مرتلا؛ لقوله تبارك وتعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل: 4].
والترتيل: هو أن يذكر الحروف مبينة ظاهرة، والفائدة فيه أنا إذا وقعت القراءة على هذا الوجه؛ فهم من نفسه معاني تلك الألفاظ، وأفهم غيره تلك المعاني، وإذا قرأها سردا، لم يفهم ولم يفهم، فكان الترتيل أولى.
روى أبو داود- رحمه الله تعالى- بإسناده عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «يقال للقارئ: اقرأ وارق، ورتل، كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها». قال أبو سلمان الخطابي- رحمه الله-: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة؛ يقال للقارئ: اقرأ وارق في الدرج على عدد ما كنت تقرأ من القرآن، فمن استوفى، فقرأ جميع آي القرآن استولى على أقصى الجنة.

.فصل في استحباب تحسين القراءة جهرا:

إذا قرأ القرآن جهرا، فالسنة أن يحسن في القراءة؛ روى أبو داود، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم».

.فصل في صحة الصلاة مع النطق بالضاد والظاء:

قال ابن الخطيب- رحمه الله تعالى-: المختار عندنا أن اشتباه الضاد بالظاء عندنا لا يبطل الصلاة؛ ويدل عليه أن المشابهة حاصلة بينهما جدا، والتمييز عسر، فوجب أن يسقط التكليف بالفرق. بيان المشابهة أنهما من الحروف المجهورة، وأيضا من الحروف الرخوة، وأيضا من الحروف المطبقة، وأيضا: أن النطق بحرف الضاد مخصوص بالعرب؛ قال- عليه الصلاة والسلام-: «أنا أفصح من نطق بالضاد» فثبت بما ذكر أن المشابهة بينهما شديدة، والتمييز عسر.
وأيضا: لم يقع السؤال عنه في زمن النبي- عليه الصلاة والسلام- وأزمنة الصحابة، لاسيما عند دخول العجم في الإسلام، فلما لم ينقل وقوع السؤال عن هذا ألبتة، علمنا أن التمييز بين هذين الحرفين، ليس في محل التكليف.

.فصل في عدم جواز الصلاة بالوجوه الشاذة:

اتفق على أنه لا تجوز القراءة في الصلاة بالوجوه الشاذة: لأن الدليل ينفي جواز القراءة مطلقا، لأنها لو كانت من القرآن، لوجب بلوغها إلى حد التواتر، ولما لم يكن كذلك، علمنا أنها ليست من القرآن، عدلنا عن هذا الدليل في جواز القراءة بها خارج الصلاة، فوجب أن تبقى قراءتها في الصلاة على أصل المنع.

.فصل في قولهم: القراءات المشهورة منقولة بالتواتر:

اتفق الأكثرون على أن القراءات المشهورة منقولة بالتواتر، وفيه إشكال؛ وذلك لأنا نقول: هذه القراءة إما أن تكون منقولة بالتواتر، أو لا.
فإن كان الأول، فحينئذ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله تعالى قد خيّر المكلفين بين هذه القراءة، وسوى بينهما في الجواز.
وإذا كان كذلك، كان ترجيح بعضها على البعض واقعا على خلاف الحكم المتواترة؛
فواجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض، مستوجبين للتفسيق إن لم يلزمهم التكفير، لكنا نرى أن كل واحد يختص بنوع معين من القراءة، ويحمل الناس عليها، ويمنعهم من غيرها، فوجب أن يلزم في حقهم ما ذكرناه.
وإن قلنا: هذه القراءات ما ثبتت بالتواتر؛ بل بطريق الآحاد، فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم، والقطع اليقين؛ وذلك باطل بالإجماع؛ ولقائل أن يجيب عنه؛ فيقول:
بعضها متواتر، ولا خلاف بين الأمة فيه، وتجويز القراءة بكل واحد منها؛ وبعضها من باب الآحاد، لا يقتضي كون القراءة بكليته خارجا عن كونه قطعيا، والله أعلم؛ ذكره ابن الخطيب.